الخميس، ١٠ يناير ٢٠٠٨

أزمة الحجاج بين صناعة الأزمة وإدارة الأزمة



لاشك أن أزمة الحجاج تعتبر خطوة ومرحلة من المراحل التي مرت بها حركة حماس وتجاوزتها بجدارة، لتتأكد للداني والقاصي أن حركة حماس قادرة على قيادة السفينة مهما قابلتها من أنواء أو لأواء.

ومن البديهي أن أزمة الحجاج لم تكن أزمة حقيقية وإنما هي أزمة مصطنعة. فقد تم صناعة أزمة الحجاج يرجع لعدة أسباب متداخلة أبرزها تضييق الحصار على غزة والقضاء على الأنفاق والتأثير على مفاوضات صفقة تبادل الأسرى حيث تم إستخدام ورقة المعونة الأمريكية لضغط على ا لحكومة المصرية.

وهنا سوف نلقي الضوء على كيفية إدارة حركة حماس لهذه الأزمة والتي تكللت جهودها بالنجاح في نهاية المطاف وفي زمن قياسي غير متوقع. ولعل من أبرز النقاط التي إرتكزت حركة حماس في إدارتها لهذه الأزمة كان المخزون الفكري للحركة والتجربة، حيث أن تجربة حماس في مسألة مبعدي مرج الزهور كانت تجربة غنية تم الإستفادة منها بشكل كبير جدا.

وأيضا المرتكز الفكري الذي تقوم عليه الحركة كان له الفضل الكبير في كيفية تحديد مسار إدارة هذه الأزمة. فأركان البيعة التي يحفظها أبناء الدعوة تهيئ لهم الاستعداد العقلي والنفسي لمواجهة مثل تلك المحن ولعل ركني "الثبات" و "الثقة" تجليا في هذه الأزمة بشكل واضح فعندما قالت القيادة إن الحجاج سيدخلون من معبر رفح كما خرجوا منه، لم يتسرب الشك ولو للحظة في نفوس أي من الحجاج وهذا الأمر ساعد بشكل كبير على ثبات الحجاج على موقفهم بحتمية عودتهم من خلال معبر رفح مما أقفل الباب في محاولات إختراق صف الحجاج وإيجاد شرخ في مواقفهم. وفي هذا الموقف تجلي ركن "الأخوة" والذي عرفه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله بأن قال فيه "الأخوة: أن ترتبط القلوب والأرواح برباط العقيدة، والعقيدة أوثق الروابط وأغلاها، والأخوة أخت الإيمان، والتفرق أخو الكفر، وأول القوة: قوة الوحدة، ولا وحدة بغير حب، وأقل الحب: سلامة الصدر، وأعلاه: مرتبة الإيثار"

ولقد حاول صانعو أزمة الحجاج أن يصنفوا الأزمة على أنها أزمة سياسية ذات حجم صغير وأن لها بعد جغرافي يبدأ من العريش وينتهي في تل أبيب مروراً بغزة ورام الله. ولكن حنكة حركة حماس في هذا الجانب قلب موازين التعاطي مع هذه الأزمة فلقد تجنبت حركة حماس التعامل مع هذه الأزمة على أنها أزمة سياسية بل أصرت على أن هذه أزمة إنسانية بالدرجة الأولى وما كان لها أن تكون، حيث أبرزت البعد الديني لهذه الأزمة مما وضع الأزمة في بعد جغرافي اوسع يبدأ من مكة المكرمة ولا يتوقف في أي مكان بل يغطي المنطقة من طنجة إلى جاكرتا.

إن وضع حماس لهذه الأزمة ضمن هذا النطاق الجغرافي الواسع وجعل هذه الأزمة تمس نطاق واسع من البشر كان له الأثر في إعادة توصيف حجم الأزمة، فمن أزمة تتعلق بألفين شخص إلى أزمة تتعلق بمليار وربع المليار من المسلمين. وهذا النطاق الواسع شكل زخما إعلاميا كبيرا جدا لم يتوقعه صانعي الأزمة، وهنا برزت المهارة الإعلامية التي إكتسبتها حماس في مواجهة الأزمات على مدار عقدين من الزمن ليتم تجييش كل وسائل الإعلام بقصد منها أو بدون قصد لعرض هذه الأزمة الإنسانية.

هذا الأمر دفع صانعي الأزمة ليعيدوا تقييم حجم الأزمة، ليتم إعادة تصنيفها من أزمة صغيرة أو محدودة ليس لها تهديدات إلى أزمة كبيرة متفجرة ذات تهديدات قد تضر بمصالح صانعي هذه الأزمة. فهذه الأزمة أبرزت على السطح المعاهدات مع الكيان وإلى أي مدى هذه الإتفاقات مجدية، وأيضا أبرزت قضية السيادة على الحدود مما شكل ضغطا داخليا من الرأي العام وفتح العيون على قضايا كانت في طي النسيان.

إن إدارة حماس لأزمة الحجاج من الناحية العلمية كانت ناجحة وبجدارة، حيث أن النجاح في إدارة أي أزمة يرتكز على مجموعة من العوامل نستعرضها سريعا وهي كالتالي:-

1- إدراك أهمية الوقت: دائما ما يكون عنصر الوقت علاجا لكثير من القضايا كما أوضح الإمام حسن البنا في شرحه لأركان البيعة، وإرتكازا على هذا المخزون الفكري لم يكن عنصر الوقت ضاغطا على حركة حماس بل إستخدمته حماس ليكون ضاغطا على صانعي الأزمة بحيث تولد شعورا بأن مرور الوقت دون إتخاذ قرار بحل الأزمة سينتج عنه مخاطر غير متوقعة.
2- توفر معلومات شاملة ودقيقة: ولقد تعاملت حماس مع هذا العامل بطريقة علمية راقية حيث تم عرض نسب وإحصائيات حقيقة عن وضع الحجاج مثل نسبة النساء ونسبة المرضى ونسبة كبار السن، وقد تم إستخدام هذه المعلومات في الأحاديث الإعلامية بشكل واضح ودقيق مما أعطى زخما إعلاميا ومصداقية للبعد الإنساني لهذه الأزمة.
3- توافر نظم إنذار مبكر لرصد علامات الخطر: لقد إستطاعت حماس أن تجعل أزمة الحجاج عبارة عن نظام إنذار مبكر للرأي العام والكتاب والمثقفين على مدى خطورة إستمرار إغلاق معبر رفح وأيضا وضعت قضية السيادة على الحدود والأرض على المحك.
4- الاستعداد الدائم لمواجهة الأزمات: هذه الأمر أثبتته حماس في أكثر من موقع، ولذا كان موقف الحجاج وتمترسهم خلف القيادة وإصرارهم على العودة بنفس بطريقة الخروج وأيضا إستعدادهم لتحمل هذه الأزمة مهما طالت مدتها كان عنصر هاما في إنهاء الأزمة سريعا.
5- القدرة على حشد وتعبئة الموارد المتاحة: فقد نجحت حماس في حشد الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي لمواجهة هذه الأزمة وأيضا مؤسسات المجتمع المدني والمثقفين والإعلاميين والكتاب وعلماء الدين والمؤسسات الدولية.
6- نظام اتصال يقيم بالكفاءة والفاعلية: وقد حرصت حماس منذ بداية الأزمة أن توفر نظام اتصال من قلب الأزمة مما أتاح سرعة ووفرة للمعلومات لكل الأطراف المعنية بالأزمة وأيضا إيصال أصوات الحجاج للعالم وإظهار معاناتهم مما كان له الأثر الكبير في إنهاء هذه الأزمة.

إن أزمة الحجاج أبرزت كيفية إدارة الصراع من جانب الطرف الآخر مع حماس، فهم حتى هذه اللحظة يديروا الصراع من خلال صناعة الأزمات بهدف إيقاف وقطع نشاطات الحكومة الرشيدة في غزة لمواجهة الحصار الظالم والذي استمر على مدار سبع شهور نجحت فيه حماس والحكومة من الصمود، مما يؤكد براعة القيادة في تحويل الأزمات وما تحويه من مخاطر إلى فرصة لإطلاق القدرات الإبداعية بحيث تكون كل أزمة مصطنعة فرصة لإعادة صياغة الظروف المحيطة وإيجاد الحلول السديدة.