الخميس، ١٨ سبتمبر ٢٠٠٨

الإنسحاب الوشيك من الضفة والتخلي عن السلطة وتركها لمصيرها

الإنسحاب الوشيك من الضفة والتخلي عن السلطة وتركها لمصيرها

إن تصريحات أولمرت بأن حلم دولة إسرائيل الكبرى قد إنتهي تؤكد إنتهاء الأطماع التوسعية لدولة إسرائيل وإنها قررت أن تتقوقع خلف جدار الفصل العنصري

لقد قررت إسرائيل أن تكون لها حدود رسمية معترف بها دوليا وداخليا، فمن خلال بناء جدار الفصل العنصري وإتفاقيات السلام مع مصر والأردن والسعي لإتفاق سلام مع سوريا ولبنان تكون إسرائيل قد رسمت حدودها.

وإذا ما لاحظنا الجهود التي تبذلها الحكومة الصهيونية لإقناع المستوطنين الصهاينة لترك بيوتهم في المستوطنات وقبولهم بالتعويض حيث رصدت الحكومة مبلغ مليارين وستمائة مليون شيكل، يكشف رغبة دولة الكيان بالإنسحاب من الضفة والتخلص من صفة دولة احتلال. وما الحملة الشرسة التي تقودها السلطة العملية في رام الله ضد الحركة الإسلامية وبمساعدة وتسهيل جيش الاحتلال تؤكد سعي اسرائيل لإنهاك حماس بقدر الأمكان حتى تستطيع الانسحاب بسلاسة ودون معوقات.

وهذا الإنسحاب معناه ترك السلطة العميلة في الضفة لمصيرها تواجه الشعب بمفردها، مما يعني قرب سيطرة قوى المقاومة على مقاليد الأمور هناك، ولعل هذا الأمر يفسر سعي الأردن لإعادة علاقاتها مع حركة حماس على اعتبار أن الضفة الغربية بعد إنسحاب الصهاينة منها ستؤول لحكم حركة حماس. ولنفس السبب فإننا نجد مصر تسعى جاهدة لإفشال حماس في غزة حتى لا تصبح قادرة على تسلم مقاليد الأمور في الضفة على اعتبار أن مصر لديها حساسية تاريخية من الحركة المصرية على خلاف الأردن والتي كان لها على الدوام علاقة دافئة مع الحركة الإسلامية.

حلم اسرائيل الكبرى انتهي إلى غير رجعة

خبر وتعليق

الخبر: صرح رئيس الوزراء (الإسرائيلي) ايهود أولمرت أن "حلم اسرائيل الكبرى انتهي إلى غير رجعة وإنه من أجل عدم الوصول إلى دولة ثنائية القومية يجب تقاسم الأرض مع من نعيش معهم"

التعليق: مما لا شك فيه إن هذا التصريح لرئيس وزراء الكيان يعتبر في غاية الأهمية وبعيد الدلالة وقبل تحليل هذا الخبر وأبعاده لابد لنا أن نتعرف على المقصود بإسرائيل الكبرى.

مصطلح إسرائيل الكبرى يقصد به أرض إسرائيل حسب الكتاب المقدس لليهود كما في سفر التكوين حيث يذكر عهد الله مع ابراهيم ((في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام قائلا: سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات)). وبهذا تشمل اسرائيل الكبرى فلسطين والأردن ولبنان وسوريا بالكامل وأجزاء من العراق والسعودية وتركيا ومصر.

وأيضا هناك مصطلح آخر ورد في الخبر وهو "دولة ثنائية القومية" وهي الدولة الواحدة ذات السيادة الواحدة ولكنها تحتوي على قوميتين، وفي حالتنا هذه يقصد بالقوميتين: العرب واليهود. وهذا المصطلح يأخذنا لمصطلح آخر ذو علاقة بالأمر وهو مصطلح "يهودية الدولة" ويقصد به الدولة الواحدة ذات السيادة والقومية الواحدة والتي هي اليهودية دون غيرها من قوميات.

وبعد استعراض المصطلحات ذات العلاقة، نكتشف إن الهدف الصهيوني المتمثل في إنشاء دولة إسرائيل الكبرى حسب النصوص التوراتية قد تم التخلي عنه بشكل رسمي، وذلك بعد أن تم إتخاذ خطوات عملية على الأرض تؤكد تخلي دولة الكيان الغاصب عن حلمها في دولة ذات حدود توراتية والمتمثلة في بناء الجدار الفاصل والذي صرح بخصوصه القادة الصهاينة بأنه سيكون حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة، أي حدود الدولة الصهيونية بالتبعية بعد ما أقرت إسرائيل بحدودها مع باقي الدولة المحيطة إما من خلال إتفاقيات سلام كما مع الأردن ومصر وسوريا مستقبلا أو من خلال قبول بالأمر الواقع كما مع لبنان بعد إنسحابها للحدود الدولية المتعارف عليها.

وبهذا نستخلص إن تراجع إسرائيل عن سياستها التوسعية وسعيها لترسيم حدود يعترف بها من الجميع ناتج عن تغيرات جوهرية حدثت على الأرض تجعلها تخشى على نفسها من الفناء. فتصاعد قوى المقاومة وتعاظم قدرتها أصبح يشكل خطرا حقيقيا على وجودها الأمر الذي دفعها إلى التخلي عن أراضي احتلتها بالقوة دون إتفاق حيث إنسحبت من جنوب لبنان انسحابا أشبه ما يكون بالفرار عام 2000، ومن قطاع غزة عام 2005 دون اتفاق أو حتى تنسيق مع السلطة.

وبالإضافة لخطورة المقاومة على وجود (اسرائيل) فإن الكيان يستشعر خطرا أخر لا يقل في نظرها عن خطورة المقاومة ألا وهو التزايد السكاني للعرب المقيمين في أراضي 48، لا سيما مع تزايد المطالبة بالحقوق المدنية وحقوق المواطنة والمساواة مع اليهود، وهذا الأمر يشكل خطرا على الوجود اليهودي إذا وضعنا في الاعتبار أنه بعد عدة سنوات سيصبح تعداد العرب داخل دولة الكيان أكبر من تعداد اليهود، ولهذا نجد أن القادة الصهاينة يسعون إلى دولة يهودية خالصة، أي دولة تخلو من السكان العرب، ويرفضون رفضا تاماً خيار الدولة ثنائية القومية الذي يعني مباشرة تفوق العرب على اليهود من ناحية الكثافة السكانية ما يجعلهم أغلبية والتالي تصبح لهم القدرة على تغيير هوية الدولة، وهذا أمر بلا شك يرفضه الصهاينة رفضا كاملا.

ولابد لنا أن ندرك تبعات المطالبة بدولة يهودية، حيث يعتبر هذا الأمر لو تحقق قرارا بتهجير جماعي لكافة السكان العرب داخل حدود دولة (إسرائيل) مما يعني نكبة أخرى للشعب الفلسطيني.
إن وصول قادة الكيان لمرحلة القناعة بأنهم لم يعد بمقدورهم التوسع، وتهيئتهم لجمهور المستوطنين بدنو أجل خروجهم من الضفة وإغرائهم بقبول التعويض للخروج من المستوطنات ليؤكد أن دولة الكيان اتخذت قرارها بالرحيل خلف الجدار وما مماطلتها في المفاوضات إلا لكسب الوقت كي تهيئ وضعها الداخلي لمرحلة الإنسحاب المفاجئ ومن طرف واحد من مستوطنات الضفة الغربية كما فعلت في غزة.